فصل: (فَرْعٌ): (الدُّعَاءِ لِلنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحْمَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [الرفع من الركوع]:

(ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ) مِنْ سُجُودِهِ (مُكَبِّرًا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ «ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا عَلَى يُسْرَاهُ)، بِأَنْ يَبْسُطَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَجْلِسَ عَلَيْهَا (وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ) أَيْ: يُمْنَى رِجْلَيْهِ، وَيُخْرِجُهَا مِنْ تَحْتِهِ، (وَيُثْنِي أَصَابِعَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ) فَيَجْعَلُ بُطُونَ أَصَابِعِهَا عَلَى الْأَرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا، لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ: «ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ إلَى مَوْضِعِهِ» قَالَ الْأَثْرَمُ: تَفَقَّدْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَوَجَدْتُهُ يَفْتَحُ أَصَابِعَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَيَسْتَقْبِلُ بِهَا الْقِبْلَةَ. (وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ مَضْمُومَتَيْ الْأَصَابِعِ) كَجُلُوسِ التَّشَهُّدِ، وَلِفِعْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ، (ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي) وَإِنْ قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لَنَا، أَوْ: اللَّهُمَّ رَبِّ اغْفِرْ لِي، فَلَا بَأْسَ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ، لِمَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي، وَعَافِنِي» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (ثُمَّ يَسْجُدُ) سَجْدَةً أُخْرَى (كَالْأُولَى) فِي الْهَيْئَةِ وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّسْبِيحِ (ثُمَّ يَرْفَعُ) مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ (مُكَبِّرًا قَائِمًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ) بِيَدَيْهِ نَصًّا، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهُ أَشَقُّ، فَكَانَ أَفْضَلَ كَالتَّجَافِي. (فَإِنَّهُ شَقَّ) عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِكِبَرٍ أَوْ ضَعْفٍ، أَوْ سِمَنٍ، وَنَحْوِهِ (فـَ) يَعْتَمِدُ (بِالْأَرْضِ)، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ إذَا نَهَضَ أَلَّا يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ. (وَكُرِهَ إذَنْ) أَيْ: حِينَ قِيَامِهِ، (تَقْدِيمُ إحْدَى رِجْلَيْهِ) ذَكَرَهُ فِي الْغُنْيَةِ، وَكَذَا فِي رِسَالَةِ أَحْمَدَ.
(وَلَا تُسَنُّ جَلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ، وَهِيَ جَلْسَةٌ يَسِيرَةٌ) صِفَتُهَا (كَجُلُوسٍ بَيْنَ سَجْدَتَيْنِ) بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ بَعْدَهَا قِيَامٌ. وَالِاسْتِرَاحَةُ: طَلَبُ الرَّاحَةِ، كَأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ إعْيَاءٌ فَيَجْلِسُ لِيَزُولَ عَنْهُ. وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ اسْتِحْبَابِهَا مُطْلَقًا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْلِسُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ عِنْدَ كِبَرِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ. (ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ كَالْأُولَى)؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَصَفَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا». (إلَّا فِي تَجْدِيدِ نِيَّةٍ) فَيَكْفِي اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا، قَالَ جَمْعٌ: وَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ.
(وَ) إلَّا فِي (تَحْرِيمِهِ) فَلَا تُعَادُ (وَ) إلَّا فِي (اسْتِفْتَاحٍ) فَلَا يَشْرَعُ فِي غَيْرِ الْأُولَى، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا نَهَضَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَمْ يَسْكُتْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِفَوَاتِ مَحَلِّهِ.
(وَ) إلَّا فِي (تَعَوُّذٍ إنْ) كَانَ (تَعَوَّذَ فِي الْأُولَى) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ، فَاكْتَفَى بِالِاسْتِعَاذَةِ فِي أَوَّلِهَا. وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ فَيَأْتِي بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفْتِحُ بِهَا السُّورَةَ، فَأَشْبَهَ أَوَّلَ رَكْعَةٍ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَوَّذَ فِي الْأُولَى وَلَوْ عَمْدًا، أَتَى بِهِ فِيمَا بَعْدَهَا. (ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهَا) أَيْ: الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا) كَجُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ) وَلَا يُلْقِمُهُمَا رُكْبَتَيْهِ، (وَيَقْبِضُ مِنْ) أَصَابِعِ (يُمْنَاهُ خِنْصَرًا، فَبِنْصِرًا وَيُحَلِّقُ إبْهَامَهَا بِوُسْطَى، بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ رَأْسَيْهِمَا) فَشَبَهُ الْحَلْقَةِ مِنْ حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ (وَيَبْسُطُ أَصَابِعَ يُسْرَاهُ مَضْمُومَةً لِقِبْلَةٍ) لِيَسْتَقْبِلَهَا بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ إذَا صَلَّى اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ بِكُلِّ شَيْءٍ حَتَّى بِنَعْلِهِ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ وَضَعَ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ عَقَدَ مِنْ أَصَابِعِهِ الْخِنْصَرَ، وَاَلَّتِي تَلِيهَا، وَحَلَّقَ حَلْقَةً بِأُصْبُعِهِ الْوُسْطَى عَلَى الْإِبْهَامِ، وَرَفَعَ السَّبَّابَةَ يُشِيرُ بِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. (ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وُجُوبًا سِرًّا وَنَدْبًا) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «مِنْ السُّنَّةِ إخْفَاءُ التَّشَهُّدِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (كَتَسْبِيحِ) رُكُوعٍ وَسُجُودٍ (وَسُؤَالِ مَغْفِرَةٍ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِعَدَمِ الدَّاعِي لِلْجَهْرِ بِهِ. (وَلَا تُكْرَهُ تَسْمِيَةُ أَوَّلِهِ) أَيْ: التَّشَهُّدِ. (وَتَرْكُ) التَّسْمِيَةِ (أَوْلَى)؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ فَانْتَهَرَهُ. (فَيَقُولُ: التَّحِيَّاتُ) جَمْعُ: تَحِيَّةٍ، أَيْ: الْعَظَمَةُ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَوْ: الْمُلْكُ، أَوْ: الْبَقَاءُ. وَعَنْ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ: السَّلَامُ وَجُمَعِ؛ لِأَنَّ مُلُوكَ الْأَرْضِ يُحَيُّونَ بِتَحِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ (لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ) قِيلَ: الْخَمْسُ، وَقِيلَ: الْمَعْلُومَةُ فِي الشَّرْعِ، وَقِيلَ الرَّحْمَةُ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا، وَقَبْلَ الْأَدْعِيَةُ، أَيْ: هُوَ الْمَعْبُودُ بِهَا، (وَالطَّيِّبَاتُ) أَيْ: الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَوْ: مِنْ الْكَلَامِ، قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ. (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيءُ) بِالْهَمْزِ: مِنْ النَّبَأِ، وَهُوَ: الْخَبَرُ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ النَّاسَ بِالْوَحْيِ، وَبِتَرْكِ الْهَمْزَةِ تَسْهِيلًا، أَوْ مِنْ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ: الرِّفْعَةُ، لِرِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِ عَنْ الْخَلْقِ. (وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) جَمْعُ: بَرَكَةٍ، وَهِيَ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ. (السَّلَامُ عَلَيْنَا) أَيْ: الْحَاضِرِينَ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمَلَائِكَةٍ، (وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) الصَّالِحُ: الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ، وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، أَوْ الْإِكْثَارُ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ مِنْهُ غَيْرُهُ. وَيَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ وَمَنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي صَلَاتِهِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِنَّكُمْ إذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ لِلَّهِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ».
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ: لَيْسَ شَيْءٌ أَشْرَفَ، وَلَا اسْمٌ أَتَمَّ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْوَصْفِ بِالْعُبُودِيَّةِ. (أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)، أَيْ: أُخْبِرُ بِأَنِّي قَاطِعٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَمِنْ خَوَاصِّ الْهَيْلَلَةِ أَنَّ حُرُوفَهَا كُلَّهَا جَوْفِيَّةٌ لَيْسَ فِيهَا حَرْفٌ شَفَوِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْإِخْلَاصُ، فَيَأْتِي بِهَا مِنْ خَالِصِ جَوْفِهِ، وَهُوَ الْقَلْبُ، لَا مِنْ الشَّفَتَيْنِ وَكُلُّ حُرُوفِهَا مُهْمَلَةٌ دَالَّةٌ عَلَى التَّجَرُّدِ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى. (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كُنَّا إذَا جَلَسْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ. فَسَمِعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهِ، قَالَ: ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُوَ»، وَفِي لَفْظِ «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ، كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ».
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَيْسَ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حَدِيثٌ غَيْرُهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا: ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ، وَيُرَجَّحُ بِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِأَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَبِأَيِّ تَشَهُّدٍ تَشَهَّدَ بِمَا صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَازَ) كَتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ: «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ... إلَخْ» وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه». وَكَتَشَهُّدِ عُمَرَ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ إلَخْ». (وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: وَلَا بَأْسَ وَبِزِيَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ. (وَالْأَوْلَى تَخْفِيفُ) التَّشَهُّدِ (وَعَدَمُ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ)، لِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِقَوْلِ مَسْرُوقٍ: «كُنَّا إذَا جَلَسْنَا إلَى أَبِي بَكْرٍ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ، حَتَّى يَقُومَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ حَنْبَلٌ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُصَلِّي، فَإِذَا جَلَسَ فِي الْجَلْسَةِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ أَخَفَّ الْجُلُوسَ، ثُمَّ يَقُومُ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ. أَيْ: الْحِجَارَةِ الْمُحْمَاةِ بِالنَّارِ. قَالَ: وَإِنَّمَا قَصَدَ الِاقْتِدَاءَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبِهِ. (وَيُشِيرُ بِسَبَّابَةٍ يُمْنَى لَا غَيْرِهَا) مِنْ الْأَصَابِعِ. (وَلَوْ عُدِمَتْ) فَيُرْفَعَا (مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ) لَهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا يُشَارُ بِهَا لِلسَّبِّ، وَسَبَّاحَةً؛ لِأَنَّهَا يُشَارُ بِهَا لِلتَّوْحِيدِ، (فِي تَشَهُّدِهِ، وَدُعَائِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا: «كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ وَلَا يُحَرِّكُهَا إذَا دَعَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: «مَرَّ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَدْعُو بِأَصَابِعِي، فَقَالَ: أَحَدٌ أَحَدٌ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ» رَوَاه النَّسَائِيّ. (ثُمَّ يَنْهَضُ) قَائِمًا فِي صَلَاةِ (مَغْرِبٍ، وَرُبَاعِيَّةٍ) كَظُهْرٍ (مُكَبِّرًا)؛ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ إلَى قِيَامٍ، فَأَشْبَهَ الْقِيَامَ مِنْ سُجُودِ الْأُولَى. (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَلَكِنَّهُ صَحَّ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ. (وَيُصَلِّي الْبَاقِيَ) مِنْ صَلَاتِهِ، وَهُوَ رَكْعَةٌ مِنْ مَغْرِبٍ، وَرَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ (كَذَلِكَ) أَيْ: كَالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (إلَّا أَنَّهُ يُسِرُّ) الْقِرَاءَةَ إجْمَاعًا. (وَلَا يَزِيدُ عَلَى الْفَاتِحَةِ)؛ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ، وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى شُرَيْحٍ يَأْمُرُهُ بِهِ. وَرَوَى الشَّالَنْجِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ (فَإِنْ زَادَ) عَلَيْهَا (لَمْ يُكْرَهْ) إلَّا الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، إذَا قُلْنَا يَنْتَظِرُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، فَيَقْرَأُ سُورَةً مَعَهَا. (ثُمَّ يَجْلِسُ) لِلتَّشَهُّدِ الثَّانِي (مُتَوَرِّكًا، وَلَا يَتَوَرَّكُ فِي ثُنَائِيَّةٍ) بَلْ يَفْتَرِشُ، وَالتَّوَرُّكُ: هُوَ أَنْ (يَفْرِشَ) رِجْلَهُ (الْيُسْرَى، وَيَنْصِبَ) رِجْلَهُ (الْيُمْنَى وَيُخْرِجَهُمَا) أَيْ: رِجْلَيْهِ مِنْ تَحْتِهِ (عَنْ يَمِينِهِ، وَيَجْعَلَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِذَا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَفْضَى بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إلَى الْأَرْضِ، وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَخَصَّ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ بِالِافْتِرَاشِ، وَالثَّانِي بِالتَّوَرُّكِ؛ خَوْفَ السَّهْوِ؛ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ خَفِيفٌ، وَالْمُصَلِّي بَعْدَهُ يُبَادِرُ لِلْقِيَامِ، بِخِلَافِ الثَّانِي فَلَيْسَ بَعْدَهُ عَمَلٌ، بَلْ يُسَنُّ مُكْنَةٌ لِنَحْوِ تَسْبِيحٍ وَدُعَاءٍ. (ثُمَّ يَتَشَهَّدُ) سِرًّا (التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ يَقُولُ) سِرًّا: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ) أَيْ: إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ (إنَّكَ حَمِيدٌ) أَيْ: مَحْمُودٌ وَمُسْتَحِقٌّ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالشِّدَّةِ، وَالرَّخَاءِ (مَجِيدٌ) أَيْ: كَامِلٌ فِي الشَّرَفِ وَالْكَرَمِ (وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ) أَيْ: أَثْبِتْ لَهُ دَوَامَ مَا أَعْطَيْتَهُ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَفِيكَ وَعَلَيْكَ، وَبَارَكَكَ. (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا، أَوْ عَرَفْنَا كَيْفَ السَّلَامُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: قُولُوا: فَذَكَرَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ) يَقُولُ: (كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ، وَكَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ) لِوُرُودِهِ أَيْضًا.
(وَ) الْوَجْهُ (الْأَوَّلُ أَوْلَى) لِكَوْنِ حَدِيثِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ. وَقَدْ يُضَافُ آلُ الشَّخْصِ إلَيْهِ وَيَكُونُ دَاخِلًا فِيهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}، {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ}، {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ}. فَإِنَّ فِرْعَوْنَ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَيُرَجَّحُ أَيْضًا بِأَنَّ تَشْبِيهَ الصَّلَاةِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ بِالصَّلَاةِ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ أَوْلَى مِنْ تَشْبِيهِهَا بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ، إذْ لَا يَلِيقُ كَوْنُ آلِ مُحَمَّدٍ مُسَاوِينَ لِإِبْرَاهِيمَ فِي ذَلِكَ لِجَلَالَةِ رُتْبَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَوْلَوِيَّةُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ (لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إشْعَارًا بِتَشْبِيهِ صَلَاةِ الْآلِ بِالْآلِ)، أَيْ: اجْعَلْ صَلَاةً مِنْكَ وَبَرَكَةً عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا جَعَلْتَهَا عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ فَالتَّشْبِيهُ لِلصَّلَاةِ الْمَطْلُوبَةِ لِلْآلِ، لَا الْمَطْلُوبَةِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقَاعِدَةُ: أَنَّ الْمُشَبَّهَ أَدْنَى مِنْ الْمُشَبَّهِ بِهِ، أَوْ مُسَاوٍ لَهُ. فَالتَّشْبِيهُ بَيْنَ الْآلِ وَالْآلِ فَقَطْ، وَآلُ إبْرَاهِيمَ أَنْبِيَاءُ، بِخِلَافِ آلِ مُحَمَّدٍ (وَأَلَّا) نَجْعَلُ التَّشْبِيهَ بَيْنَ الْآلِ وَالْآلِ، بَلْ قَابَلْنَا الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ. (فَمُحَمَّدٌ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفْضَلُ) مِنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَلْ وَمِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ، فَلَا يُطْلَبُ لَهُ صَلَاةٌ كَالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ. وَقَدْ أَجَابَ الْقَرَافِيُّ عَنْ تَشْبِيهِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ: أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ بَيْنَ عَطِيَّةٍ تَحْصُلُ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ تَكُنْ حَصَلَتْ لَهُ قَبْلَ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَهُمَا كَرَجُلَيْنِ، أُعْطِيَ أَحَدُهُمَا أَلْفًا، وَالْآخَرُ أَلْفَيْنِ، ثُمَّ طَلَبَ لِصَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ مِثْلَ مَا أُعْطِيَ صَاحِبُ الْأَلْفِ، فَيَحْصُلُ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَلَا يُرَدُّ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَآلُهُ: أَتْبَاعُهُ عَلَى دِينِهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَقَارِبِهِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِيهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَاتِ. (وَلَا يُجْزِئُ إبْدَالُ آلِ بِأَهْلٍ)؛ لِأَنَّ أَهْلَ الرَّجُلِ أَقَارِبُهُ، أَوْ زَوْجَتُهُ، وَآلُ أَتْبَاعُهُ عَلَى دِينِهِ، فَتَغَايَرَا (وَلَا) يُجْزِئُهُ التَّشَهُّدُ (إنْ لَمْ يُرَتِّبْهُ)، كَمَا لَوْ قَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، لِفَوَاتِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا. (وَتَجُوزُ صَلَاةٌ عَلَى غَيْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْفَرِدًا، نَصًّا)، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ لِعُمَرَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَعَبْدُ الْقَادِرِ. قَالَ: وَإِذَا جَازَتْ، جَازَتْ أَحْيَانًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَمَّا أَنْ يُتَّخَذَ شِعَارًا لِذِكْرِ بَعْضِ النَّاسِ، أَوْ يَقْصِدَ الصَّلَاةَ عَلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ دُونَ بَعْضٍ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَالسَّلَامُ عَلَى غَيْرِهِ بِاسْمِهِ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ. (وَتُسَنُّ صَلَاةٌ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ) فَإِنَّهَا رُكْنٌ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَكَذَا فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، (بِتَأَكُّدٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}. الْآيَةَ، وَالْأَحَادِيثُ بِهَا شَهِيرَةٌ. (وَتَتَأَكَّدُ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ (عِنْدَ ذِكْرِهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَوْجَبَهَا ابْنُ بَطَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ، وَالْحَلِيمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَاللَّخْمِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ.
(وَ) فِي (يَوْمِ جُمُعَةٍ وَلَيْلَتِهَا) لِلْخَبَرِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؛ فَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي جِلَاءِ الْأَفْهَامِ: هِيَ مَشْرُوعَةٌ. وَقَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ: النَّوَوِيُّ، وَغَيْرُهُ، ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ. وَذَكَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ اسْتِقْلَالًا، وَذَكَرَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ مُسْتَحَبَّةٌ.

.(فَرْعٌ): [الدُّعَاءِ لِلنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحْمَةِ]:

(وَقَعَ خُلْفٌ كَبِيرٌ) بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (فِي جَوَازِ الدُّعَاءِ لَهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِالرَّحْمَةِ، وَاخْتَارَ) الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ (السُّيُوطِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْجَوَازَ تَبَعًا لِلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ) كَقَوْلِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُهُ فِي التَّشَهُّدِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَ(لَا) يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِالرَّحْمَةِ (انْفِرَادًا كَ: قَالَ النَّبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ) أَيْ: اخْتِيَارُ السُّيُوطِيّ: (حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ: انْفِرَادَ التَّرَحُّمِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خِلَافُ الْأَدَبِ) فِي مَقَامِهِ الرَّفِيعِ (وَغَيْرُ الْمَأْمُورِ بِهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ) إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ الصَّلَاةُ، لَا الدُّعَاءُ بِالرَّحْمَةِ. (ثُمَّ يَقُولُ نَدْبًا: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ) أَيْ: الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. وَأَصْلُ الْفِتْنَةِ: الِاخْتِبَارُ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا أَخْرَجَتْهُ الْأَخْبَارُ إلَى الْمَكْرُوهِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَكْرُوهِ، فَجَاءَتْ بِمَعْنَى الْكُفْرِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ}، وَبِمَعْنَى الْإِثْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا}، وَبِمَعْنَى الْإِحْرَاقِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، وَمِنْهُ: أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ، وَبِمَعْنَى: الْإِزَالَةِ وَالصَّرْفِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} وَفِتْنَةُ الْمَحْيَا كَثِيرَةٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ مَعَ الْعَامِّ. (وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ): بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ: فَعِيلٌ، بِمَعْنَى مَفْعُولٌ؛ لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ، وَالْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: بِمَعْنَى: فَاعِلٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إذَا مَسَحَ ذَا عَاهَةٍ عُوفِيَ، (الدَّجَّالِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ. (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ) لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ. (وَلَا بَأْسَ إنْ دَعَا بِمَا وَرَدَ فِي كِتَابٍ) نَحْوُ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، (أَوْ) دَعَا بِمَا وَرَدَ فِي (سُنَّةٍ) نَحْوُ: «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ) دَعَا بِمَا وَرَدَ (عَنْ صَحَابَةٍ) كَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا، وَذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: اللَّهُمَّ كَمَا صُنْتَ وَجْهِي عَنْ السُّجُودِ لِغَيْرِكَ، فَصُنْ وَجْهِي عَنْ الْمَسْأَلَةِ لِغَيْرِكَ، (أَوْ) دَعَا بِمَا وَرَدَ عَنْ (سَلَفٍ) صَالِحٍ، (أَوْ) دَعَا (بِأَمْرِ آخِرَةٍ) كَ: اللَّهُمَّ أَحْسِنْ خَاتِمَتِي، (وَلَوْ لَمْ يُشْبِهْ مَا وَرَدَ) مِمَّا سَبَقَ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ». (كَدُعَاءٍ بِرِزْقٍ حَلَالٍ، وَرَحْمَةٍ، وَعِصْمَةٍ مِنْ فَوَاحِشَ) وَكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ آخِرَتِهِ، وَحَوَائِجِ دُنْيَاهُ أَيْضًا: لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ». (أَوْ عَوَّذَ نَفْسَهُ بِقُرْآنٍ لِنَحْوِ حُمَّى) فَلَا بَأْسَ. لِمَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قُرْآنٌ قَصَدَ بِهِ مَعْنًى يَلِيقُ بِهِ لَا يُنَافِي الصَّلَاةَ، فَلَمْ يُبْطِلْهَا، كَمَنْ قَصَدَ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَرْضَهَا فِي الصَّلَاةِ مَعَ التَّبَرُّكِ بِهَا؛ وَلِأَنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَةٍ، فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ مُفْسِدَهَا اللَّفْظُ، لَا الْقَصْدُ وَالْعَزْمُ، إذْ لَوْ تَفَكَّرَ فَتَذَكَّرَ كَلَامًا مُرَتَّبًا، لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِلِسَانِهِ، (أَوْ لَدَغَتْهُ): بِمُهْمَلَةٍ فَمُعْجَمَةٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْن مُعْجَمَتَيْنِ، (عَقْرَبٌ) وَنَحْوُهَا، (فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ)، وَوَافَقَ أَكْثَرُهُمْ عَلَى قَوْلِ: بِسْمِ اللَّهِ، لِوَجَعِ مَرِيضٍ عِنْدَ قِيَامٍ وَانْحِطَاطٍ. (أَوْ) دَعَا (لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ) فِي النَّفْلِ وَالْفَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ.
قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لِابْنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَا أَدْعُو لِقَوْمٍ مُنْذُ سِنِينَ فِي صَلَاتِي، أَبُوكَ أَحَدُهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُنُوتِهِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ». وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِبَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ. (وَيَتَّجِهُ، أَوْ) أَيْ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ (عَلَيْهِ)، أَيْ: عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، (حَيْثُ جَازَ) كَدُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُنُوتِهِ عَلَى الْكُفَّارِ الْمُعَيَّنِينَ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (بِغَيْرِ كَافِ خِطَابٍ) نَحْوُ: عَافَاكَ اللَّهُ، وَغَفَرَ لَكَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ. (وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِهِ) أَيْ: بِالدُّعَاءِ بِكَافِ الْخِطَابِ، كَمَا لَوْ خَاطَبَ آدَمِيًّا بِغَيْرِ دُعَاءٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَإِبْلِيسَ: «أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ»؛ فَمُؤَوَّلٌ، أَوْ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَمَحَلُّ بُطْلَانِهَا بِالدُّعَاءِ بِكَافِ الْخِطَابِ، حَيْثُ كَانَ (فِي غَيْرِ اللَّهِ) كَ: إيَّاكَ نَعْبُدُ (وَرَسُولِهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، فَلَا تَبْطُلُ بِهِ.
(وَ) تَبْطُلُ الصَّلَاةُ (بِدُعَاءٍ بِأَمْرِ دُنْيَا) وَمَلَاذِهَا (كـَ) قَوْلِ مُصَلٍّ: اللَّهُمَّ (اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ وَحُلَّةً خَضْرَاءَ، أَوْ دَابَّةً هِمْلَاجَةً)، أَوْ دَارًا وَسِيعَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ (مَا لَمْ يَشُقَّ) إمَامٌ بِالدُّعَاءِ (عَلَى مَأْمُومٍ)، أَوْ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ يَخْشَى فَوَاتَ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ بِتَطْوِيلِهِ، (أَوْ) مَا لَمْ (يَخَفْ سَهْوًا) بِإِطَالَةِ دُعَائِهِ، فَيَتْرُكُهُ، وَلَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا. (وَكَذَا) أَيْ: الدُّعَاءُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، (دُعَاءٌ فِي رُكُوعٍ، وَسُجُودٍ)، وَاعْتِدَالٍ، وَجُلُوسٍ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ الدُّعَاءَ» (وَقُنُوتٌ) لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ.

.(فَصْلٌ): [صفة التسليم]:

(ثُمَّ يَلْتَفِتُ نَدْبًا) وَهُوَ جَالِسٌ بِلَا نِزَاعٍ، (عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ) وَيَلْتَفِتُ (أَكْثَرَ) مِنْ الْتِفَاتِهِ عَنْ يَمِينِهِ، لِحَدِيثِ عُمَارَةَ مَرْفُوعًا: «كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَإِذَا سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ» رَوَاه يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ بِإِسْنَادِهِ. (قَائِلًا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ)، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ. وَابْنِ مَسْعُودٍ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ. وَعَنْ يَسَارِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدَّيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. (مُرَتَّبًا، مُعَرَّفًا بِأَلْ وُجُوبًا)، لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ صَحَّتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُ كَذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ خِلَافُهُ، وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي». (فَإِنْ نَكَّرَهُ) بِأَنْ قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، (أَوْ نَكَّسَهُ) بِأَنْ قَالَ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ، (أَوْ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِإِسْقَاطِ مِيمٍ) بِأَنْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك، (لَمْ يُجْزِهِ) وَكَذَا لَوْ قَالَ: سَلَامِي عَلَيْكُمْ، أَوْ: سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، أَوْ: السَّلَامُ عَلَيْهِمْ، (وَكَذَا تَنْكِيسُهُ) أَيْ: السَّلَامُ (فِي تَشَهُّدٍ) كَقَوْلِهِ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَإِنْ تَعَمَّدَ قَوْلًا مِمَّا ذُكِرَ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَلَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِ) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ إنْ لَمْ يَقُلْ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُ، وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، وَهُوَ سَلَامٌ فِي صَلَاةٍ وَرُدَّ مَقْرُونًا بِالرَّحْمَةِ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ بِدُونِهَا، كَالسَّلَامِ فِي التَّشَهُّدِ، (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَزِيدَ: وَبَرَكَاتُهُ) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ، لَكِنْ لَا يَضُرُّ: لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَسُنَّ) أَيْضًا (حَذْفُ سَلَامٍ) لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ» وَرُوِيَ مَرْفُوعًا، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. (وَهُوَ) أَيْ: حَذْفُ السَّلَامِ: (أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ، وَلَا يَمُدَّهُ، لَا فِي الصَّلَاةِ؛ وَلَا عَلَى النَّاسِ) إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ.
(وَ) سُنَّ أَيْضًا (جَزْمُهُ) أَيْ: السَّلَامِ، بِأَنْ يَقْطَعَ إعْرَابَ آخِرِ الْجَلَالَةِ بِحَذْفِ الْحَرَكَةِ مِنْ الْهَاءِ، وَمِنْ رَاءِ أَكْبَرَ فِي التَّكْبِيرِ، لِقَوْلِ النَّخَعِيّ: السَّلَامُ جَزْمٌ، وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ (بِأَنْ يَقِفَ عَلَى آخِرِ كُلِّ تَسْلِيمَةٍ) وَالْمُرَادُ بِالْجَزْمِ هُنَا: مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ: قَطْعُ الْإِعْرَابِ.
(وَ) سُنَّ (نِيَّتُهُ بِهِ)، أَيْ: السَّلَامِ (الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ)، لِتَكُونَ النِّيَّةُ شَامِلَةً لِطَرَفَيْ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ قَدْ شَمَلَتْ جَمِيعَهَا، وَالسَّلَامُ مِنْ جُمْلَتِهَا كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (فَإِنْ نَوَى مَعَهُ) أَيْ: مَعَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، السَّلَامَ (عَلَى حَفَظَةٍ وَإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ، جَازَ) نُصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. (وَأُنْثَى كَرَجُلٍ فِيمَا مَرَّ) فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، لِشُمُولِ الْخِطَابِ لَهَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي». (حَتَّى فِي رَفْعِ يَدَيْنِ) قَبْلَ رُكُوعٍ، وَبَعْدَهُ. (لَكِنْ تَجْمَعُ نَفْسَهَا فِي رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، فَلَا تَتَجَافَى)، لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلِّيَانِ، فَقَالَ: إذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ اللَّحْمِ إلَى بَعْضٍ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ. وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، فَكَانَ الْأَلْيَقُ بِهَا الِانْضِمَامَ. (وَتَجْلِسُ مُسْدِلَةً رِجْلَيْهَا عَنْ يَمِينِهَا، وَهُوَ أَفْضَلُ) مِنْ تَرَبُّعِهَا؛ لِأَنَّهُ غَالِبُ جُلُوسِ عَائِشَةَ، وَأَشْبَهُ بِجِلْسَةِ الرَّجُلِ، وَأَبْلُغُ فِي الْإِكْمَالِ وَالضَّمِّ، وَأَسْهَلُ عَلَيْهَا. (أَوْ) تَجْلِسُ (مُتَرَبِّعَةً)؛ لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَتَرَبَّعْنَ فِي الصَّلَاةِ (وَتُسِرُّ بِقِرَاءَةٍ وُجُوبًا إنْ سَمِعَهَا أَجْنَبِيٌّ) خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ بِهَا. (وَإِلَّا) يَسْمَعْهَا أَجْنَبِيٌّ، (فَلَا بَأْسَ بِجَهْرِهَا) لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ (وَخُنْثَى كَأُنْثَى) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً. (ثُمَّ يُسَنُّ بَعْدَ تَسْلِيمٍ) مِنْ مَكْتُوبَةٍ (أَنْ يَسْتَغْفِرَ ثَلَاثًا، وَيَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ) السَّلَامُ: مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُ: سَلَامَتُهُ مِمَّا يَلْحَقُ الْخَلْقَ مِنْ الْعَيْبِ وَالْفَنَاءِ، (وَمِنْك السَّلَامُ) أَيْ: وَمِنْكَ حُصُولُ السَّلَامِ لِلْخَلْقِ. وَلَعَلَّ مُنَاسَبَةَ ذِكْرِ السَّلَامِ عَقِبَ الصَّلَاةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ سَلَامَةَ الْمُصَلِّي مِنْ نَقْصِ صَلَاتِهِ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْهُ تَعَالَى (تَبَارَكْتَ) مِنْ: الْبَرَكَةِ، أَوْ: مِنْ الْبُرُوكِ، وَهُوَ: الدَّوَامُ وَالثُّبُوتُ. (يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، الْجَلَالُ: الْعَظَمَةُ، وَالْإِكْرَامُ: الْإِعْزَازُ، وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِالْعَظَمَةِ وَالْعِزَّةِ اتِّصَافًا ذَاتِيًّا لَا انْفِكَاكَ لَهُ، وَلَا نَقْصَ فِيهِ. رَوَى ثَوْبَانُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَلَّمَ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَلَوْ قَالَهُ بَعْدَ قِيَامِهِ، وَفِي ذَهَابِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُصِيبٌ لِلسُّنَّةِ أَيْضًا، إذْ لَا تَحْجِيرَ فِي ذَلِكَ. وَلَوْ شُغِلَ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَذَكَّرُهُ، فَذَكَرُهُ، فَالظَّاهِرُ: حُصُولُ أَجْرِهِ الْخَاصِّ لَهُ أَيْضًا إذَا كَانَ قَرِيبًا لِلْعُذْرِ. أَمَّا لَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا، ثُمَّ اسْتَدْرَكَهُ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَالظَّاهِرُ فَوَاتُ أَجْرِهِ الْخَالِصِ، وَبَقَاءِ أَجْرِ الذِّكْرِ الْمُطْلَقِ لَهُ. انْتَهَى.
وَمِمَّا وَرَدَ مِنْ الذِّكْرِ: مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ» رَوَاه مُسْلِمٌ، وَالتَّهْلِيلُ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِمَا تَقَدَّمَ. وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ: سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ- أَيْ: بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ-: «اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْجَدُّ: بِفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ هُوَ الْغِنَى، وَالْحَظُّ، أَيْ: لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى وَالْحَظِّ مِنْ الدُّنْيَا بِذَلِكَ، أَيْ: بَدَلَ طَاعَتِكَ، أَوْ بَدَلَ حَظِّكَ، أَيْ: بَدَلَ حَظِّهِ مِنْكَ. قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ. وَبِكَسْرِ الْجِيم ضَعِيفٌ، وَعَلَيْهِ: لَا يَنْفَعُ ذَا الِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ مِنْك اجْتِهَادُهُ، إنَّمَا يَنْفَعُهُ رَحْمَتُكَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْجَدُّ وَالسَّعْيُ التَّامُّ فِي الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: الْإِسْرَاعُ فِي الْهَرَبِ، أَيْ: ذَا الْإِسْرَاعِ فِي الْهَرَبِ مِنْكَ هَرَبُهُ، فَإِنَّهُ فِي قَبْضَتِكَ وَسُلْطَانِكَ.
(وَ) يَقُولُ: (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ» (فَإِنْ زَادَ فِي الْعَدِّ؛ فَلَا بَأْسَ)، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ نَهْيٌ عَنْ الزِّيَادَةِ هُنَا كَالزَّكَاةِ، (وَيَفْرُغُ مِنْ عَدَدِ الْكُلِّ مَعًا) لِقَوْلِ أَبِي صَالِحٍ رَاوِي الْحَدِيثِ: «تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَتَّى تَبْلُغَ مِنْ جَمِيعِهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ» (وَيَعْقِدُهُ)، أَيْ: الْعَدَدَ الْمُتَقَدِّمَ بِيَدِهِ، وَيَعْقِدُ (الِاسْتِغْفَارَ بِيَدِهِ)، أَيْ: يَضْبِطُ عَدَدَهُ بِأَصَابِعِهِ، لِحَدِيثِ بُسْرَةَ مَرْفُوعًا: «وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ؛ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ» رَوَاه أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. (وَتَمَامُ الْمِائَةِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَيُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِذَلِكَ)، أَيْ: بِالتَّسْبِيحِ، وَالتَّحْمِيدِ، وَالتَّكْبِيرِ عَقِبَ الصَّلَاةِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كُنْتُ أَعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إذَا سَمِعْتُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «كُنْت أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) يَقُولُ (بَعْدَ كُلٍّ مِنْ) صَلَاتَيْ (صُبْحٍ وَمَغْرِبٍ، وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ، قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ) بِمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ (عَشْرَ مَرَّاتٍ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، لِخَبَرِ أَحْمَدَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ مَرْفُوعًا. وَلِهَذَا مُنَاسَبَةٌ، وَيَكُونُ الشَّارِعُ شَرَعَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ لِتَحْتَرِسَ بِهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فِيهِمَا، وَالْخَبَرُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَغْرِبَ، فَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْفَجْرِ فَقَطْ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَشَهْرٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ جِدًّا انْتَهَى.
وَيَقُولُ أَيْضًا: وَهُوَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ: (اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ النَّارِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَارِثِ التَّمِيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَقِيلَ: الْحَارِثُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إلَيْهِ فَقَالَ: إذَا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقُلْ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ النَّارِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا، فَإِنَّكَ إذَا قُلْتَ ذَلِكَ، ثُمَّ مِتَّ فِي لَيْلَتِكَ؛ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْهَا، وَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّكَ إذَا مِتَّ فِي يَوْمِكَ، كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْهَا».
قَالَ الْحَارِثُ: أَسَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَخُصُّ بِهَا إخْوَانَنَا رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ تَفَرَّدَ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ؛ فَلِهَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يَعْرَفُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِي لَفْظِهِ: «قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ».
(وَ) يَقْرَأُ (بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ) مَكْتُوبَةٍ (آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْإِخْلَاصِ)، لِخَبَرِ أَبِي أُمَامَةَ: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلَّا الْمَوْتُ». إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.
(وَ) يَقْرَأُ (الْمُعَوِّذَتَيْنِ)، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ الْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ». لَهُ طُرُقٌ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، أَوْ صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَفِي هَذَا سِرٌّ عَظِيمٌ فِي دَفْعِ الشَّرِّ مِنْ الصَّلَاةِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَيَدْعُوَ) مُصَلٍّ اسْتِحْبَابًا (بَعْدَ كُلِّ) صَلَاةٍ (مَكْتُوبَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} (سِيَّمَا) بَعْدَ (فَجْرٍ وَعَصْرٍ، لِحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمَا)، فَيُؤَمِّنُونَ عَلَى الدُّعَاءِ، فَيَكُونُ أَقْرَبَ لِلْإِجَابَةِ، (سِيَّمَا الْإِمَامُ) لِيَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ. (وَلَا يُكْرَهُ) لِلْإِمَامِ (أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ بِدُعَاءٍ نَصًّا) لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَلِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ؛ إذْ أَوَّلُهَا: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ، وَأَسْأَلُكَ» وَذَلِكَ يَخُصُّ نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ الَّذِي لَا يُكْرَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ نَفْسَهُ (إنْ لَمْ يُؤَمِّنْ مَأْمُومٌ) كَدُعَاءِ الْمُنْفَرِدِ، وَفِي التَّشَهُّدِ وَالسُّجُودِ، وَنَحْوِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَمَّنَ مَأْمُومٌ عَلَى دُعَائِهِ (فَيَعُمُّ) بِالدُّعَاءِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ يُؤَمِّنُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ، وَلَمْ يَعُمَّ، فَقَدْ (خَانَهُ وَكَدُعَاءِ قُنُوتٍ)، فَإِذَا لَمْ يَعُمَّ بِهِ؛ كَانَ خَائِنًا لِلْمَأْمُومِ، لِخَبَرِ ثَوْبَانَ، فَإِنَّ فِيهِ: «لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ؛ فَقَدْ خَانَهُمْ». (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَفِّفَهُ) أَيْ: الدُّعَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ الْإِفْرَاطِ فِي الدُّعَاءِ»، وَالْإِفْرَاطُ: كَثْرَةُ الْأَسْئِلَةِ. (وَيَبْدَأُ) الدُّعَاءَ (بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. (وَيَخْتِمُ) دُعَاءَهُ (بِهِ) أَيْ: بِالْحَمْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. (كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ) قَالَ الْآجُرِّيُّ: وَوَسَطَهُ، لِخَبَرِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ، يَمْلَأُ قَدَحَهُ ثُمَّ يَضَعُهُ، وَيَرْفَعُ مَتَاعَهُ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَرَابٍ شَرِبَهُ، أَوْ الْوُضُوءِ تَوَضَّأَ، وَإِلَّا أَهْرَاقَهُ، وَلَكِنْ اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ، وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ». (وَلَا يُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ فِيهِ)، أَيْ: فِي الدُّعَاءِ، خِلَافًا لِلْغُنْيَةِ لِحَدِيثِ الْمِقْدَادِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي، وَاسْقِ مَنْ سَقَانِي». (وَكُرِهَ رَفْعُ صَوْتٍ بِهِ)، أَيْ: الدُّعَاءِ (فِي صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا) لِحَدِيثِ: «إنَّكُمْ لَا تُنَادُونَ أَصَمَّ»، (لِغَيْرِ حَاجٍّ) أَمَّا لَهُ فَيُسَنُّ، لِحَدِيثِ: «أَفْضَلُ الْحَجِّ: الْعَجُّ، وَالثَّجُّ».
(وَ) كُرِهَ الدُّعَاءُ (لِإِمَامٍ) حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَقْبِلَ قِبْلَةٍ بَلْ يَسْتَقْبِلُ مَأْمُومًا) حَالَ دُعَائِهِ، لِأَنَّ انْحِرَافَهُ إلَى الْمُصَلِّينَ مَطْلُوبٌ إذَا سَلَّمَ (وَيَلِحُّ) الدَّاعِي فِي الدُّعَاءِ (رَافِعًا يَدَيْهِ إلَى صَدْرِهِ مَبْسُوطَتَيْنِ، وَيَدْعُو بِدُعَاءٍ مَعْهُودٍ)، أَيْ: مَأْثُورٍ مِنْ الْكِتَابِ، أَوْ السُّنَّةِ، أَوْ عَنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَيُكَرِّرُهُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِلْحَاحِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ». (وَيَجْتَنِبُ السَّجْعَ) فِي الدُّعَاءِ، كَمَا يَدْعُو بَعْضُ جَهَلَةِ الْمُتَعَبِّدَةِ، يَلْتَزِمُونَ السَّجْعَ غَالِبًا وَالْأَدْعِيَةَ غَيْرَ الْمَأْثُورَةِ كَ: اللَّهُمَّ اكْشِفْ غَبْنَ قَلْبِي، وَافْتَحْ عَيْنَ بَصِيرَتِي وَلُبِّي، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْهُودٍ، وَلَا مَأْثُورٍ. وَأَمَّا الَّذِي وَرَدَ مُسَجَّعًا، كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ وَنَحْوِهِ، فَالدُّعَاءُ بِهِ مَطْلُوبٌ. وَيَكُونُ الدُّعَاءُ جَامِعًا (بِتَأَدُّبٍ) فِي هَيْئَتِهِ وَأَلْفَاظِهِ، فَيَكُونُ جُلُوسُهُ إنْ كَانَ جَالِسًا كَجُلُوسِ أَقَلِّ الْعَبِيدِ بَيْنَ يَدَيْ أَعْظَمِ الْمَوَالِي (وَخُشُوعٌ) وَخُضُوعٌ (وَعَزْمٌ وَرَغْبَةٌ، وَحُضُورُ قَلْبٍ وَرَجَاءٍ) لِحَدِيثِ «لَا يُسْتَجَابُ مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ» رَوَاه أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. وَيَتَمَلَّقُ، وَيَتَوَسَّلُ إلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَيُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْ دُعَائِهِ صَدَقَةً. (وَشُرِطَ) فِي الدُّعَاءِ (إخْلَاصٌ، وَاجْتِنَابُ حَرَامٍ) مِنْ مَطْعَمٍ، وَمَشْرَبٍ، وَمَلْبَسٍ، وَغَيْرِهِ. وَيَتَحَرَّى أَوْقَاتَ الْإِجَابَةِ، وَهِيَ: الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ، وَعِنْدَ الْأَذَانِ، وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَأَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَعِنْدَ صُعُودِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ، وَآخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. (وَيَنْتَظِرُ الْإِجَابَةَ)، لِحَدِيثِ: «اُدْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ». (وَلَا يَعْجِزُ فَيَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي)، لِمَا فِي الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، قَالُوا: وَكَيْفَ يَعْجَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يُسْتَجَبْ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ». وَيَدْعُو الدُّعَاءَ وَيَنْتَظِرُ الْفَرَجَ، فَهُوَ عِبَادَةٌ أَيْضًا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَسْأَلَةِ إلَّا لِيُعْطَى. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ: «مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إلَّا آتَاهُ اللَّهُ إيَّاهَا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: إذَنْ نُكْثِرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ». وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ، وَفِيهِ: «إمَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا، أَوْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، أَوْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا». وَيَبْدَأُ فِي دُعَائِهِ بِنَفْسِهِ.